مسجد قانى باي الرماح

ساعد تصميمه المعماري الفريد في أن يُطبع على أكثر العملات المصرية قيمة من فئة الـ ٢٠٠ جنيه..
إنه مسجد قاني باي الرماح ..
فما قصه هذا المسجد؟
ومن هو صاحبه؟.
قاني باي الرماح كان من مماليك السلطان الأشرف قايتباي،
الذي تولى الحكم ما بين عامي(٨٧٢-٩٠١هـ)، وقد ترقي في المناصب حتي صار “أمير أخور”،
وهو المسئول عن الإسطبلات السلطانية وخيول الجيش المملوكي وما يلزمها في دولة السلطان
قنصوة الغوري، وكانت هذه الوظيفة من أكبر الوظائف المملوكية؛ كون الخيول وطبقة الفرسان
كانت عماد الجيش المملوكي، وكان قاني باي هذا صهر للأمير يشبك من مهدي الدوادار، الأمير المشهور
وأتابك الجيش (قائد الجيش) في دولة السلطان قايتباي وصاحب العمائر المعروفة بالقاهرة،
وأشهرها القبة الفداوية بالعباسية.
يقول عنه ابن إياس في موسوعته “بدائع الزهور” أنه كان أميراً مهيباً، وقد كان الغوري يتحوط منه،
وقد استراح كثيراً بموته؛ لما كان شائعاً من فتن يفتعلها الأمراء و الجند في هذا الزمان”، أما عن صفاته؛
فبالرغم من أنه كان من أقوي الأمراء، فقد ذكر إلي ابن إياس لعدد من مساوئه وغلبها علي حسناته،
وروي عنه الكثير مما يؤكد عسفه وجوره خصوصاً في الحملات التي كُلف بقيادتها والتي توجهت
لحلب لتأمين حدود الدولة في مناسبتين، الأولي في سنة 913هـ
عندما تخوف الغوري من إغارة إسماعيل شاه الصفوي ملك إيران علي حدود الدولة،
والثانية خوفاً من تحركات السلطان سليم عند توجهه لحرب الصفويين في عام 920هـ،
و كان ما ارتكبه قاني باي وعسكره من أفعال بحق الحلبيين سبباً في نقمتهم علي المماليك،
حتي أنهم سارعوا في التعاون مع السلطان سليم بن عثمان حينما طرق المملكة المصرية في عام 922هـ،
و كانوا معه في حربه ضد سلطان مصر، ودورهم هذا معروف ومشهور، وتوفي قاني باي سنة 921هـ،
ودُفن تحت قبة هذه مدرسته.

وصف الأثر

مدرسة قاني باى الرماح بُنيت في حدود سنة (١٥٠٦م – 911 هـ)، وكانت هذه الفترة في المراحل المتأخرة للدولة المملوكية،
حيث وصلت فنون العمارة إلي قمة ازدهارها، واتخذت فنون العمران أشكالاً أكثر تطوراً خصوصاً في أساليب التزيين والزخرفة،
إلا أنها كانت أقل تطوراً من حيث الضخامة، فلا نجد من بين آثار تلك المرحلة عمائر بحجم مسجد السلطان حسن، أو البيمارستان المنصوري أو حتي عمائر السلاطين الجراكسة الأوائل مثل الجامع المؤيدي؛
وهذا بالطبع كان انعكاساً لحالة السلطنة بشكل عام وتقلص قوتها ونفوذها لعوامل يضيق المقام لتفصيلها.

وحول اختيار قاني باي لتشييد مسجده في ميدان القلعة

أن الميدان لمن لا يعرف هو الساحة الأشهر والأهم التي كان يستعرض فيها المماليك فنون الفروسية والقتال ولعناية السلاطين بهذه الساحة علي طول العصر المملوكي،
فنجد في اختيار موقع المدرسة رمزية كبيرة، فكما ذكرنا أن قاني باي كان أمير أخور مضافاً لما كان له من باع في فنون اللعب بالرمح،
فعلي ما يبدو أنه وجد أن أنسب مكان يرقد فيه جسده بعد مماته بالقرب من الميدان أيضاً كما كان في حياته.
وأضاف مهران، للدقة فإن هذه المدرسة ليست مبني واحد محدد الوظيفة،
بل هي مجموعة تتكون من المبني الرئيسي للمدرسة، الذي يشتمل على أربعة أيوانات؛
بغرض تدريس المذاهب الأربعة؛ إلا أن وثيقة الوقف لم تكن تشمل أي مخصصات مالية
لتدريس هذه المذاهب، وملحق بالمدرسة القبة الضريحية التي دُفن بها الأمير، وهذه القبة هي أول الأجزاء
التي بُنيت بالمجموعة، و تشتمل الـمجموعة أيضا علي سبيل
وكُتاب لحفظ القرآن الكريم كما كانت العادة في مدارس هذا العصر، كما كان يقع
خلف المدرسة قصر بناه الأمير بغرض السُكني.
أما عن صحن المدرسة فإن وثيقة الوقف تشير إلي أنه كان مغطي بسقف خشبي به شخشيخة مثله مثل الكثير من نماذج العمائر المملوكية في هذه الفترة،
وهذا السقف لم يعد موجوداً والصحن حالياً مكشوف، ومن أهم ما يميز هذه المدرسة هو منارتها ذات الرأسين، والتي تعتبر أحد العلامات المميزة في سماء القاهرة،
ومن النماذج المشهورة من بين مآذن العالم الإسلامي، إلا أنه ومع كل أسف فلم يبق لها مثيل بالقاهرة سوي منارة السلطان الغوري بالجامع الأزهر،
والمنارة القديمة للمدرسة الأخري للأمير قاني باي التي بناها بمنطقة الناصرية،
كما كانت للمدرسة الجنبلاطية داخل باب النصر نفس النوع من المآذن،
وقد دمرها الفرنسيس خلال الحملة الفرنسية عام ١٨٠٠م.
قبة المدرسة من بين القباب الحجرية العملاقة
التي لم يُعرف لها مثيل خارج القاهرة،
ونري أن نفس الأسلوب كان مُتبعاً في بعض مباني تلك الحقبة،
مثل: مجموعة قايتباي بقرافة المماليك، ومدرسة جانم البهلوان بمنطقة المغربلين.
ومن العناصر التي تتميز بها هذه المدرسة هو السقف الحجري لإيوان القبلة، والذي كانت العادة فيه أن يُبني من الأخشاب، و لكنه بُني من الحجر علي هيئة قبة فطساء محملة
علي أربع عقود،
وأحد هذه العقود هو المُطل علي صحن المدرسة، و لم يُعرف هذا النوع من الأسقف سوي في مُصلي السلطان الغوري بميدان القلعة والمعروف قديماً بـ”مُصلي المؤمني”.
المسجد مر بعملية ترميم شاملة، حيث هُدم جزء كبير منه وأُعيد بنائه مره أخري،
ومن بين ما هُدم هو مئذنة المدرسة الأصلية التي سقطت في حدود سنة 1870م،
وكانت عملية التطوير هذه ضمن أعمال لجنة حفظ الآثار العربية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين؛
وذلك لاختلال مبانيها وأُهمل أمر الجامع وبُنيت أمام واجهته بعض الدكاكين، وفي سنة ١٩١٤م تولت لجنة حفظ الآثار العربية الجامع بالإصلاح والتجديد فأزالت الدكاكين من أمام الواجهة ورممتها،
وأزالت سقفًا محدثًا كان يغطي الصحن، وأعادت بناء الإيوان الغربي، ودعمت المباني الحاملة للجامع، وأصلحت قاعدة المئذنة، وفي سنة ١٩٣٩م
قامت اللجنة بإعادة بناء المئذنة علي أصلها اعتمادا علي صور أرشيفية قديمة، واسترشادا بمئذنة جامع الرمّاح الذي بناه بالناصرية.
وبالعودة لحال المدرسة في وقتنا الحاضر، فقد تعرض لحادثة مؤسفة وقعت في نهاية سنة ٢٠١٠ م تدل علي فداحة الإهمال الذي تعانيه الآثار الإسلامية، فعندما تقرر فتح المدرسة للزيارة أمام الجمهور تبين
أن المنبر قد سُرق!،
والأغرب أنه لم يُعلم متي سرق علي وجه التحديد، فقد أُغلقت المدرسة من سنة ١٩٩٣م،

ولم يُعلم حتي الآن أين ذهب؟

 ولم يظهر في أي صالة مزادات،
وكان تحفة فنية لمنابر العصر المملوكي، تجلت فيه دقة ومهارة الصناعة والحفر علي الخشب
والأطباق النجمية المُطعمة بالصدف والعاج.
مدرسة قاني باي قد رُسمت صورتها علي أكبر العملات الورقية المصرية،
وهي فئة ٢٠٠ جنيه؛
و ذلك لما للمدرسة من قيمة فنية وتراثية، كما أن هذا الأثر الفريد يجاور أعظم عمائر الآثار الإسلامية
مثل جامع السلطان حسن، والرفاعي، ومسجد المحمودية، وجامع جوهر اللالا،
وخلفه منزل علي لبيب، وبيت المعمار أو منزل الفنانين الذي أقام به شيخ المعماريين حسن فتحي،
وأمامه بوابة درب اللبانة، وتكية تقي الدين البسطامي، والبيمارستان المؤيدي،
ويُشرف المسجد علي ميدان القلعة وباب العزب الذى شهد على مذبحة القلعة فى عصر محمد علي.

[highlight color=”yellow”]مسجد قانى باي الرماح[/highlight]